دمشق
صحيفة تشرين
سياسة
الاحد 30 آذار 2008
ألقى السيد الرئيس بشار الأسد رئيس القمة العربية كلمة في افتتاح القمة العربية العادية العشرين قال فيها:
أصحاب السيادة والسمو، الأمين العام لجامعة الدول العربية، أيها الاخوات والاخوة، أرحب بكم أصدق ترحيب، باسمي وباسم الشعب العربي السوري، في بلدكم سورية الذي يستقبلكم بكل الحب والتقدير والامل في أن يكون هذا اللقاء بين الاشقاء لقاء خير للامة العربية التي يتطلع أبناؤها لتحقيق التضامن والكرامة والازدهار في فترة صعبة من تاريخها الحديث.
ان انعقاد هذه القمة العربية في سورية في هذه المرحلة الحرجة هو شرف ومسؤولية كبرى نعتز بها انطلاقا من ايماننا بأهمية العمل العربي المشترك وحيويته لامتنا العربية المتطلعة لأخذ مكانها اللائق في عالم اليوم.
ولقد عملنا بكل امكاناتنا على تهيئة الظروف المناسبة لانجاح هذه القمة، وسعينا لتجاوز الكثير من العقبات التي تعترض سبيلها ولاسيما أننا ندرك جميعا صعوبة المرحلة ودقة التطورات التي تشهدها منطقتنا بحيث لا نغالي اذا قلنا اننا لم نعد على حافة الخطر بل في قلبه ونلمس آثاره المباشرة على أقطارنا وشعوبنا. وكل يوم يمرُّ دون اتخاذ قرار حاسم يخدم مصلحتنا القومية يجعل تفادي النتائج الكارثية أمراً بعيد المنال.
لابديل من التضامن
ومهما تكن آراؤنا حول طبيعة هذه الاخطار وأسبابها وسبل مواجهتها ومن الطبيعي أن يحمل أبناء الاسرة الواحدة أفكاراً متعددة تجاه القضية الواحدة فإن مما لا شك فيه أننا جميعا في قارب واحد أمام أمواجها العاصفة وأنه لا بديل لنا من التشاور والتضامن والعمل المشترك لتوحيد صفوفنا واستعادة حقوقنا وانجاز التنمية لبلداننا.
فنحن نعيش اليوم في عالم يشهد تحولات بالغة الاهمية ترسم اتجاهاتها القوى الدولية الكبرى ما دفع العديد من دول العالم لتشكيل تجمعات اقليمية تدعم قوتها وتعزز مصالحها، حتى ولو لم يكن هناك أي جامع آخر فيما بينها، فحري بنا أن نجتمع ونتعاون ونحن نشكل تجمعا قوميا طبيعيا يمتلك كل عوامل النجاح التي تتجاوز ما يمكن أن يملكه أي تجمع آخر في العالم. خاصة أننا نعيش جملة من التحديات التي تهدد تماسك بنياننا الداخلي وتجعل من بعض أقطارنا العربية ساحات مفتوحة لصراع الآخرين عبر الصراع بين أبنائه، أو هدفا للعدوان والقتل والتدمير من قبل أعدائنا.
ولا شك أن هناك عقبات تواجه رغباتنا وتطلعاتنا إلى تحقيق ما نريد ذلك أنه وعلى الرغم من اتفاقنا في معظم الاحيان حول الاهداف، فإن ثمة تقديرات متباينة في الرؤية وطريقة المعالجة. وهذا ليس مشكلة عندما يتوفر الحوار الصادق، فحوارنا وعمق قناعتنا بضرورة المبادرة إلى اتخاذ مواقف فاعلة ستزودنا بالقدرة على تجاوز الصعاب من خلال معالجتها بواقعية وصراحة أخوية وبتطلع صادق نحو المصلحة العربية العليا.
أيها الاخوة الاعزاء، عقدت قمم عديدة خلال العقود الماضية، البعض منها أتى في مراحل مفصلية، نجحنا في مواقع ومراحل ولم ننجح تماماً في أخرى، واذا كان الوضع العربي غير مرض لنا فهذا لا يرتبط بالقمم بحد ذاتها، بمقدار ما يرتبط بسياق العلاقات العربية ـ العربية والظروف التي أحاطت بها في الماضي والحاضر والتي انعكست نتائجها على القمم العربية. ومع ذلك تمكنا في محطات عديدة من تبني مواقف تعبر عن مصالح الامة العربية عندما توفرت الارادة لذلك.
واذا كانت الحروب والاحتلالات هي من أخطر القضايا التي واجهتنا خلال العقود الماضية فان معركة السلام لم تكن أقل أهمية منها.
الاحتلال نقيض السلام
ولقد أدركنا جميعا أهمية السلام منذ سنين طويلة وعبرنا عن ذلك بكل الاوقات وبطرق مختلفة، ابتداء من اعلاننا منذ أكثر من ثلاثة عقود إيماننا بالسلام العادل والشامل واستعدادنا لانجازه، مرورا بمؤتمر مدريد عام 1991 وصولاً إلى مبادرة السلام العربية عام 2002 والتي شكلت تعبيراً واضحاً لا لبس فيه عن نيتنا كدول عربية مجتمعة لتحقيق السلام اذا ما أبدت اسرائيل استعدادها الفعلي لذلك.
وعلى الرغم مما قمنا به، واذا وضعنا جانبا سلوك اسرائيل العدواني عبر تاريخها فكيف كان الرد الاسرائيلي على هذه المبادرة؟.. مباشرة بعد المبادرة قامت اسرائيل باجتياح الضفة الغربية وحصار شعبنا الفلسطيني وقتل الاطفال والنساء، وكلنا يتذكر مجزرة جنين ومئات الشهداء الذين سقطوا فيها، واستمرت في بناء المزيد من المستوطنات، وأقامت الجدار العنصري العازل، وأتبعت ذلك بالعدوان على سورية ولبنان، وأمعنت في تنفيذ الاغتيالات السياسية، وعملت بدون توقف على دفع الرأي العام الاسرائيلي باتجاه المزيد من التطرف والتزمت تجاه العرب، ورفض الاستجابة لمتطلبات السلام العادل والشامل بما يتوافق مع سياساتها المعادية للسلام، كل ذلك تحت أنظار العالم وعدم قدرته على اتخاذ أي موقف فاعل وحاسم لردعها عن أعمالها، وتحت عنوان ضمان أمن اسرائيل كذريعة تروجها اسرائيل ومن يدعمها لتبرير أعمالها العدوانية.
وبمعزل عن طرح مفهوم الأمن من جانب واحد وكأن أمن العرب لا يؤخذ في الحسبان، والذي يثبت النظرة العدوانية تجاه العرب أفراداً ودولاً، فاننا نؤكد بأن الامن لن يتحقق لاحد الا من خلال السلام، وليس من خلال العدوان والحروب التي لن تجلب سوى المزيد من الآلام، والسلام لن يأتي إلا من خلال الانسحاب من الاراضي العربية المحتلة واستعادة الحقوق كاملة، وهذا يعني بأن الطرح الاسرائيلي للامن أولا غير قابل للتحقيق لان الاحتلال يناقض الامن والسلام معا، ولان الامن ان لم يكن متبادلا ويشمل الجانب العربي فهو مجرد وهم لا وجود له، الا اذا كان أصحاب هذا الطرح يفترضون أو ينتظرون من أصحاب الأرض أن يسلموا بالاحتلال، وأن يقبل الاحرار بالتحول إلى عبيد.
ومن استقراء تجارب التاريخ نرى هزيمة هذا المنطق، وان وجد في بعض اللحظات فهو مؤقت ومخادع، ولا يليه سوى المزيد من الحروب والدمار والندم.
وإذا كنا لم نوفر فرصة الا وعبرنا فيها على المستوى العربي عن رغبتنا في السلام وآخرها كان من خلال مشاركتنا في مؤتمر أنابوليس، فإن اسرائيل انتهزت كل الفرص أيضا، لكن لتثبت العكس تماما، لتثبت غطرستها ورفضها تطبيق القرارات الدولية، ولتبرهن عن تجاهلها لحقوقنا ولكل مبادراتنا من أجل السلام.
لنراجع خياراتنا
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل نترك عملية السلام والمبادرات رهينة لاهواء الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة أم نبحث عن خيارات وبدائل من شأنها تحقيق السلام العادل والشامل والكفيل باعادة الحقوق كاملة دون نقصان؟. أي هل نقدم مبادرات غير مشروطة يختارون منها ما يشاؤون ومتى شاؤوا؟. هل تتأثر مبادراتنا بالسياسات العدوانية أو بالمجازر الاسرائيلية أم هي طروحات مطلقة غير مرتبطة بتوقيت أو بظرف؟
وان لم يكن في هذه الطروحات الآنفة أية دعوة للهروب إلى الامام من خلال الحروب على الطريقة الاسرائيلية فليس فيها بكل تأكيد أي قبول للهروب إلى الوراء من خلال الخضوع والاذعان للاملاءات الاسرائيلية، بل هي دعوة لمراجعة مضامين خياراتنا الاستراتيجية والبحث عن الموقف المتوازن الذي يوائم ما بين متطلبات السلام العادل والشامل، وما يعنيه من عودة الاراضي المحتلة وضمان الحقوق المشروعة من جانب، وما بين توفير الحد الادنى من عناصر الصمود والمقاومة، طالما أن اسرائيل ترفض السلام وتستمر في العدوان من جانب آخر.
وها نحن اليوم نجتمع ودماء شهداء مجازر اسرائيل بل محارقها كما هم أطلقوا عليها في غزة لم تجف بعد أمام صمت العالم وغضب الانسان العربي وأمام استنكار صاحب كل ضمير حي.
أولوية الحوار الفلسطيني
وإننا اذ نعبر عن ألمنا وادانتنا لما يتعرض له شعبنا الفلسطيني في غزة والضفة الغربية من قتل وحصار ودمار بفعل آلة القتل الاسرائيلية، وعن حزننا لما آلت اليه الاوضاع على الساحة الفلسطينية من انقسام وفرقة.
فاننا نرى أن الاولوية يجب أن تكون للحوار بين الفلسطينيين.
ونقول للاخوة الفلسطينيين: ان عدوكم سيستغل أي انقسام من أجل تنفيذ المزيد من المجازر بحقكم وبحق أبنائكم وهو لا يفرق بين أي عربي، سواء كان فلسطينيا أو من أي قطر عربي آخر.
فلا تقعوا في وهم أن يفرق بين فلسطيني وآخر، أو بين الضفة وغزة، ولا بين منظمة وأخرى، كل هذا يستحق منكم التسامي على أي سبب للخلاف مهما كبر شأنه، فوحدة الموقف العربي وفاعليته بشأن القضية الفلسطينية يتأثر بالضرورة بوحدة موقفكم.
فهي ضمانتكم وضمانة شعبكم وقضيتكم، وهي الطريق الوحيدة لاستعادة حقوقكم، وفي مقدمتها استعادة الأرض وعودة اللاجئين.