أما بعد: فيا عباد الله، حذر الله سبحانه وتعالى في محكم تبيانه من قتل النفس بغير الحق، وبيَّن هذا في نصوص واضحة قاطعة، وحذر وردع فقال سبحانه وتعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ} [الأنعام: 6/151] وقال: {وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الأَلْبابِ} [البقرة: 2/179] ثم إنه أمر ولي المقتول أن يطمئن بالاً، وأن يريح نفسه بأن ولي الأمر مكلف بالانتصار له، مكلف بملاحقة الجانب والاقتصاص منه، ونهى الله سبحانه وتعالى عن الفواحش وعن الزنا، ثم إنه نظر إلى أقارب من يمكن أن يرتكبوا هذه الفواحش من رجال ونساء فحذرهم من الثأر، حذرهم من أن تلتهب بين جوانحهم نيران الغيرة، فيثيروا فتنة هوجاء، حذرهم من ذلك لأن الله عهد إلى ولي الأمر بأن يغلق الأبواب الموصلة إلى الفاحشة، وعهد إلى ولي الأمر بأن يرسم الروادع الحديثة والتعزيرية ضد كل من يرتكب الفاحشة، الزنا.
تأملوا يا عباد الله حكمة رب العالمين، لو أن الله سبحانه وتعالى لم يشرع الروادع الشديدة التي تقف دون ارتكاب الجريمة المتمثلة في قتل نفس بغير حق، ولو لم يشرع القصاص، ولو لم يشرع ما يتبع ذلك من الروادع الكثيرة، لما أفاد تحذير الله سبحانه وتعالى أولياء المقول بأن يستريحوا بالاً وبأن يطمئنوا نفساً، ولما أفادهم قوله عز وجل: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً} [الإسراء: 17/33] أي لا يباشر بالثأر لأن هنالك من سيثأر عنه، لأن هنالك من سيعاقب الجانب أشد عقاب، اطمئن بالاً. لكن تصوروا لو أن الشارع لم يحمّل ولي أمر المسلمين مسؤولية معاقبة الجاني وملاحقته وإنزال العقاب الشديد به، أفكان هذا التحذير لولي المقتول مفيداً؟ لن يكون